سورة النمل - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)}
قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني مشركي مكة. {إِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ} هكذا يقرأ نافع هنا وفي سورة العنكبوت. وقرأ أبو عمرو باستفهامين إلا أنه خفف الهمزة. وقرأ عاصم وحمزة أيضا باستفهامين إلا أنهما حققا الهمزتين، وكل ما ذكرناه في السورتين جميعا واحد. وقرأ الكسائي وابن عامر ورويس ويعقوب {أَإِذا} بهمزتين {إننا} بنونين على الخبر في هذه السورة، وفي سورة العنكبوت باستفهامين، قال أبو جعفر النحاس: القراءة {إذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون} موافقة للخط حسنة، وقد عارض فيها أبو حاتم فقال وهذا معنى كلامه: {إِذا} ليس باستفهام و{أئنا} استفهام وفي {إن} فكيف يجوز أن يعمل ما في حيز الاستفهام فيما قبله؟! وكيف يجوز أن يعمل ما بعد {إن} فيما قبلها؟! وكيف يجوز غدا إن زيدا خارج؟! فإذا كان فيه استفهام كان أبعد، وهذا إذا سئل عنه كان مشكلا لما ذكره.
وقال أبو جعفر: وسمعت محمد بن الوليد يقول: سألنا أبا العباس عن آية من القرآن صعبة مشكلة، وهى قول الله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} فقال: إن عمل في {إِذا} {يُنَبِّئُكُمْ} كان محالا، لأنه لا ينبئهم ذلك الوقت، وإن عمل فيه ما بعد {إن} كان المعنى صحيحا وكان خطأ في العربية أن يعمل ما قبل {إن} فيما بعدها، وهذا سؤال بين رأيت أيذكر في السورة التي هو فيها، فأما أبو عبيد فمال إلى قراءة نافع ورد على من جمع بين استفهامين، واستدل بقوله تعالى: {أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ} وبقوله تعالى: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ} وهذا الرد على أبى عمرو وعاصم وحمزة وطلحة والأعرج لا يلزم منه شي، ولا يشبه ما جاء به من الآية شيئا، والفرق بينهما أن الشرط وجوابه بمنزلة شيء واحد، ومعنى: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ} أفإن مت خلدوا. ونظير هذا: أزيد منطلق، ولا يقال: أزيد أمنطلق، لأنها بمنزلة شيء واحد وليس كذلك الآية، لان الثاني جملة قائمة بنفسها فيصلح فيها الاستفهام، والأول كلام يصلح فيه الاستفهام، فأما من حذف الاستفهام من الثاني واثبته في الأول فقرأ: {أئذا كنا ترابا وآباؤنا إننا} فحذفه من الثاني، لان في الكلام دليلا عليه بمعنى الإنكار. قوله تعالى: {لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} تقدم في سورة المؤمنين. وكانت الأنبياء يقربون أمر البعث مبالغة في التحذير، وكل ما هو آت فقريب.


{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (71)}
قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي {قُلْ} لهؤلاء الكفار {سِيرُوا} في بلاد الشام والحجاز واليمن. {فَانْظُرُوا} أي بقلوبكم وبصائركم {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} المكذبين لرسلهم. {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي على كفار مكة إن لم يؤمنوا {وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ} في حرج {مِمَّا يَمْكُرُونَ} نزلت في المستهزئين الذين اقتسموا عقاب مكة وقد تقدم ذكرهم. وقرئ: {في ضيق} بالكسر وقد مضى في آخر النحل. {وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ} أي يجيئنا العذاب بتكذيبنا {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}.


{قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (74) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (75)}
قوله تعالى: {قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} أي اقترب لكم ودنا منكم {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} أي من العذاب، قاله ابن عباس. وهو من ردفه إذا تبعه وجاء في أثره، وتكون اللام أدخلت لان المعنى اقترب لكم ودنا لكم. أو تكون متعلقة بالمصدر.
وقيل: معناه معكم.
وقال ابن شجرة: تبعكم، ومنه ردف المرأة، لأنه تبع لها من خلفها، ومنه قول أبى ذؤيب:
عاد السواد بياضا في مفارقه *** لا مرحبا ببياض الشيب إذ ردفا
قال الجوهري: وأردفه أمر لغة في ردفه، مثل تبعه وأتبعه بمعنى، قال خزيمة بن مالك بن نهد:
إذا الجوزاء أردفت الثريا *** ظننت بآل فاطمة الظنونا
يعنى فاطمة بنت يذكر بن عنزة أحد القارظين.
وقال الفراء: {رَدِفَ لَكُمْ} دنا لكم ولهذا قال: {لَكُمْ}.
وقيل: ردفه وردف له بمعنى فتزاد اللام للتوكيد، عن الفراء أيضا. كما تقول نقدته ونقدت له، وكلته ووزنته، وكلت له ووزنت له، ونحو ذلك. {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} من العذاب فكان ذلك يوم بدر.
وقيل: عذاب القبر. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} في تأخير العقوبة وإدرار الرزق {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ} فضله ونعمه. قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} أي تخفى صدورهم {وَما يُعْلِنُونَ} يظهرون في الأمور. وقرأ ابن محيصن وحميد: {ما تكن} من كننت الشيء إذا سترته هنا. وفي القصص تقديره: ما تكن صدورهم عليه، وكان الضمير الذي في الصدور كالجسم الساتر. ومن قرأ: {تكن} فهو المعروف، يقال: أكننت الشيء إذا أخفيته في نفسك.
قوله تعالى: {وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ} قال الحسن: الغائبة هنا القيامة.
وقيل: ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض، حكاه النقاش.
وقال ابن شجرة: الغائبة هنا جميع ما أخفى الله تعالى عن خلقه وغيبه عنهم، وهذا عام. وإنما دخلت الهاء في {غائبة} إشارة إلى الجمع، أي. ما من خصلة غائبة عن الخلق إلا والله عالم بها قد أثبتها في أم الكتاب عنده، فكيف يخفى عليه ما يسر هؤلاء وما يعلنونه.
وقيل: أي كل شيء هو مثبت في أم الكتاب يخرجه للأجل المؤجل له، فالذي يستعجلونه من العذاب له أجل مضروب لا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه. والكتاب اللوح المحفوظ أثبت الله فيه ما أراد ليعلم بذلك من يشاء من ملائكته.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9